أخبار لبنان

ذكرى لا تغيب: الشيخ حسن خالد ومسيرة الوطن

زار مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان على رأسِ وفدٍ كبيرٍ مِنَ العلماء، ضريح مفتي الجمهورية الشهيد الشيخ حسن خالد في منطقة الأوزاعي، لمناسبة الذكرى السادسة والثلاثين لاستشهاده، بحضور العديد من العلماء، ورئيس مؤسسة المفتي الشهيد المهندس سعد الدين خالد، وبعد تلاوة آيات من القرآن الكريم، قرأ الحاضرون الفاتحة عن روح الشهيد الطاهرة، بحضور عائلة الفقيد. وأصدر المفتي دريان البيان الآتي :

تَمضي العقودُ على استشهادِ مفتي الجمهوريةِ اللبنانية الشيخ حسن خالد رحمه الله تعالى ، وتبقى ذِكراه مُتجدِّدةً وحاضِرة في قلوبِ المُسلِمِينَ واللبنانيينَ والعَرَب؛ لِلمَوقِعِ السَّامِي الذي احْتَلَّهُ المُفتي الشهيد، في عُمقِ المَشْهَدِ الدِّينِيِّ وَالسِّيَاسِيّ في لبنان والعالم العربيِّ والإسلاميّ .

في ذِكرَى استشهادِه، نَستنِيرُ بمَواقِفه الرَّائدةِ والبنَّاءة، ونَستَلهِمُ مِنْ تِلكَ المَسِيرَةِ الحَافِلةِ بالإنجازاتِ وجَلالِ الأعمال، التَّفانيَ في العملِ البَنَّاءِ والمُخلِص.

لقد حَمَلَ المفتي الشَّهيدُ قضِيَّةَ لبنان، وَقَضِيَّةَ مُسلِمي لبنان، حُقوقًا وَدَورًا ورِسالةً إلى المَحَافِلِ الدَّولِيّةِ والعربية، فكانَ خَيرَ مُدافِعٍ عَنْ وَحْدَةِ لُبنانَ شَعبًا وأرضًا، في وَقتٍ كانَتْ تَفتَرِسُه أنيابُ الطَّامِعِينَ بهِ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ وَصَوب.

وَرَفَعَ رَايةَ عُروبَةِ لبنانَ وَطَنًا نِهائيًّا لِجَمِيعِ أبنائه، في وقتٍ كَانَتْ تَنْهَالُ سَكَاكِينُ التَّمْزِيقِ الفِئوِيَّةِ على كُلِّ الجَسَدِ اللبنانيِّ تَقطيعًا وتَفتِيتًا، وعَمِلَ مَعَ القِيادَاتِ الوَطَنِيَّةِ ، على إخراجِ لبنانَ مِنْ مُستَنقَعِ الحَربِ التي دَمَّرتْ فيه الإنسانَ والبُنيان، وأحْرَقَتِ الأخضَرَ واليابس، مُترَفِّعًا عَنِ الطَّائفِيَّةِ وَالمَذهَبِيَّة، مُتَمَسِّكًا بِدِينِه وَعُرُوبَتِهِ وَلُبْنَانِيَّتِه ، رافضًا كُلَّ تَدَخُّلٍ خَارِجِيّ ، تحت أيَّ اسْمٍ مِنَ المُسَمَّيَات ، حتى دَفَعَ حَيَاتَهُ ثمنًا لهذِه المَوَاقِفِ المَبدئيَّةِ السَّامِيَة ، وكان باستشهادِه ، يَرحَمُهُ الله ، الضَّحِيَّةَ الكُبرى، دِفَاعًا عَنْ سِيَادَةِ الوَطَنِ وَحُرِّيَّتِهِ واستقلالِه.

 

المُفتِي الشَّهِيد حسن خالد رحمه الله تعالى ، هو الذي أسهَمَ في أَعَادَة صِيَاغَةَ دَورِ دَارِ الفَتوَى ، بِحَيثُ تَظَلُّ دَارًا لِسَائرِ اللبنانيين ، وَمَرجِعِيَّةً في أَزْمِنَةِ الرَّخَاءِ وَالشِّدَّة ، وَعَلى يَدَيه ، وَعلى هَذا الهَمِّ وَالأُفُق ، تَرَبَّى الجِيلانِ اللذانِ يَسُودَانِ في هذا المَجَالِ الدِّينِيِّ إلى هذه الأيام . ولذلك، وعلى خُطَاهُ رَحِمَهُ الله، نُعْلِنُ اسْتِمْرَارَنَا عَلَى العَهدِ وَالوَعد ، وَالأَمَانَةِ لِلوَطَنِ وَالمُوَاطِنِين .

وَتَهِلُّ ذِكْرَى استِشْهَادِ المُفتي حسن خالد رحمه اللهُ هذَا العَام ، وَقَضِيَّةُ فِلِسطِين والقُدس والأقْصَى كانت حَاضِرَة في وجْدَانه ومَواقِفِه ، وَالشَّعبُ الفِلِسطِينيُّ يُناضِلُ وَحْدَهُ ضِدَ الاحتلالِ والأرْهَابِ والاغتِصَاب، فَنَسْأَلُ اللهَ سُبحانَه ، الذي أَكْرَمَ مُفْتِينَا الكَبيرَ وَأَكْرَمَنَا بِشَهَادَتِهِ، أنْ يَنْصُرَ أَهلَ القُدْسِ وَفِلِسطِينَ على الاحتلالِ الصُّهيُونِيّ ، وعلى التَّمْيِيزِ الدِّينِيّ ، وَعلى العُنْصُرِيَّةِ البَاغِيَة .

اليوم ولمناسَبَةِ ذكرى استِشْهادِ المفتي حسن خالد رحمَه اللُه تعالى، نتساءل: أينَ همُ الآن أولئِك الذِين ارْتَكَبوا جريمةَ اغْتِيالِه المُنْكَرَة ؟. وأينَ هُم أولِئك الذِين نَفّذوا التّعْليمَات بارْتِكَابِ الجَريمة ؟. إنَّ اللهَ يمْهِل ولا يُهْمِل. ولن تقْتصِر العَدالةُ على عِقَابِ الدُّنيَا. ولكنَّ العقَابَ الأكبرَ سيَكُونُ يومَ الحِسَاب.

رَحِمَ اللهُ المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد ، وَأجْزَلَ ثَوَابَه ، وَألْهَمَنَا الصَّبْرَ وَالثَّبَاتَ على مَا صَبَرَ عليه ، وأحسنَ عَزَاءَ المُسلمين واللبنانيين والعربِ به ، وثَبَّتَنا على طريقِ الحَقِّ والصِّدق ، والسِّيرةِ الصالحةِ للمفتي الشهيد ، وحَفِظَ أوطَانَنَا وإنسَانَنَا .