أخبار لبنان

المطران ابراهيم ترأس رتبة جناز المسيح في سيدة النجاة: الكنيسة الرومية الملكية ليست أقلّيةً تُختزل، بل خميرة تُحيي

المطران ابراهيم ترأس رتبة جناز المسيح في سيدة النجاة: 

الكنيسة الرومية الملكية ليست أقلّيةً تُختزل، بل خميرة تُحيي

ترأس رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم رتبة جناز السيد المسيح في كاتدرائية سيدة النجاة زحلة بمشاركة النائب الأسقفي العام الأرشمندريت نقولا حكيم والأب ايلياس ابراهيم،  وحضور رئيسة الكتلة الشعبية السيدة ميريام سكاف، مدير عام وزارة الزراعة المهندس لويس لحود،  وديع فرح وجمهور غفير من المؤمنين. وخدمت الرتبة جوقة المطرانية بقيادة المرنم الأول جورج رياشي.

وكان لسيادته عظة جاء فيها : 

حضرة السيدة ميريام سكاف، حضرة المدير العام لويس لحود.

اشكر كل الذين قدموا الخدم في هذه الكاتدرئية، واشكر بنوع خاص الذي قدم الورود اليوم السيد وديع فرح وعائلته، ادامكم الله جميعاً. 

ايها الإخوة.    

نحن الآن لسنا أمام خشبة فقط، بل أمام سرّ… أمام ذُروة الحبّ والظلم، أمام قِمَّةِ الإله الذي أحبّنا حتى النهاية، وقاعِ وقعرِ وانحدارِ الإنسان الذي حَكَمَ على البريء بالموت. نحن الآن عند أقدام الصليب، لا كمتفرّجين، بل كمنكسرين… كمن يحملون في أعماقهم أوجاع هذا المساء وأوجاع هذا الوطن.

ها هو المصلوب، مسجّى أمامنا، موضوع في كفن الألم، مدهون بزيت الحزن، محمول على نعش البراءة.

ها هو يسوع… لا يتحرّك، لا يتكلّم، لكنه يصرخ فينا: ” إِيلِي، إِيلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟”

لكن صرخَته، يا أحبّائي، لم تكن صرخة يأس، بل صرخة كلِّ من ظُلِم، صرخة كل فقير، كل شهيد، كل أمّ تبكي ابنها، كل شاب حُرم من أحلامه… كل وطن صُلب وما زال مصلوبًا.”

واضاف”  أيها الأحبّة، اليوم، ليس يسوع وحدَه على الصليب… لبنانُ أيضًا على الصليب. ويا للأسى، كم يشبه لبنان معلّمَه المصلوب: غُرِزت المسامير في يديه من جشع الفاسدين، وغُرِزت في قدميه من خيانة المذهبيين، وتُوِّج بشوك الإنهيار والذلّ، وسُمِّي ملكًا على “جمهورية الصمت والموت البطيء”.

أيها الأحبّة،

يسوع مات على الصليب ليُحيينا. لكن وطننا يُصلَب لا ليحيا، بل ليموت كل يوم على مذابح المصالح والطائفية.

فمن المسؤول؟ من بيلاطس هذا الزمن الذي يغسل يديه ويُسلِّم البريء للموت؟ من رؤساء الكهنة الذين يقولون: “خيرٌ أن يموت هذا الشعب، من أن نخسر امتيازاتنا”؟ من الجنود الذين يتقاسمون ثوب الوطن ويقترعون عليه؟

كفى! كفى صلبًا لهذا الوطن! كفى نزيفًا على جبال الأرز والكرمل! كفى موتًا لعدالة غائبة، وحقوق مسلوبة، ومؤسسات مفككة، وأحلام مهاجرة!

يا مسؤولي لبنان، أنزلوا الوطن عن صليبه!

كفاكم تفرُّجًا على دمائه تُهدر من جرح إلى جرح، ومن أزمة إلى أخرى.”

وعن تهميش طائفة الروم الكاثوليك قال ابراهيم” كفاكم سكوتًا مميتًا عن حقوق أبنائكم، عن حقوق الأقليات، عن حقوق أبناء كنيستي، المدنية في طبعها وجوهرها وخصالِها، والمأسورة بطائفية مفروضةٍ عليها لأنها لا تستطيع استباق الدولة المدنية على حساب حقوق أبنائها وبناتها. هذه الكنيسةُ الرومية الملكية الكاثوليكية، كانت دائمًا في قلب السيادة، وفي طلائع المقاومة الروحية والفكرية والثقافية لهذا الوطن.

نحنُ لسنا أقلّيةً تُختزل، بل خميرة تُحيي، ولسنا هامشًا نُهمّش، بل عمقٌ في الهوية اللبنانية. نحن لسنا عابرين، بل بناةُ هذا الوطن، لسنا ضيوفًا، بل من صِلبِ البيت.

أين ضمانُ حقوقنا في التمثيل، في الإدارة، في الدبلوماسية، في جوهر الميثاقية الوطنية؟ أين الاعتراف بنا كجماعة تؤمن بالوطن، وتدفع أغلى أثمانِه، لا على حساب أحد، بل إلى جانب الجميع؟ 

أبناؤنا هاجروا لا لأنهم خانوا، بل لأنهم خُذِلوا! غادروا لا لأنهم لا يحبون أرضهم، بل لأن الأرض لم تُعِد لهم حُضنَها. فيا أيها المسؤولون، خافوا من لحظة يقف فيها التاريخ ويحاكمكم كما حاكم بيلاطس، قائلاً: “غسلتم أيديكم، فلوّثتم دماء الأبرياء”.”

وقال سيادته ” من هنا، من أمام نعش المسيح، نقولها بإيمان لا ينهزم: لن نسمح أن يموت لبنانُ على الصليب. لن نسمح أن تتحوّل كنائِسُنا إلى متاحف، وأديرتنا إلى آثار، ومدارسنا إلى أطلال. لن نسمح أن يُطفأ قنديل الرجاء فينا.

يسوع مات، لكن ليقوم. والمسيحُ قام! المسيحُ قام! والوطنُ المصلوب سيقوم إن كُنّا شهودًا حقيقيين. لن نقبل أن يكون خيارُ أولادنا بين الموت أو الهجرة. نريد وطناً فيه خُبزٌ وكرامة، لا صدقاتٍ ومَهانات. نريد وطناً فيه صوتُنا مسموعٌ، لا صوتُ البارود والمقايضات.”

وختم المطران ابراهيم” حين نحمل المسيح في هذا الزياح الأخير، ندرك أنه لا يُحمَل وحدَه، بل يَحمِل معنا وجع هذا الشرق، وجعَ لبنان، وجع كل أمّ فقدت ابنها، كلِّ مزارع فقد أرضه، كل تلميذ بلا مدرسة، وكل مسنّ بلا دواء، وكل شاب بلا أمل. فلنمشِ اليوم وراء المسيح لا بحزن فقط، بل بإيمان مُشتعل، برجاء لا يُقهر، وبحبّ أعند من الصلبان. وإن مات اليوم… ففجر القيامة آتٍ.

لكن القيامة، أيها الأحبّة، ليست حدثًا في التاريخ فقط… القيامة قرار. قرار ألاّ نموت… قرار أن نبقى في أرضنا، أن نحيا كأبناء الملكوت، أن نقاوم بالحقيقة، ونشهد بالرجاء، ونحبّ بلا شروط. فيا مصلوبنا، علّمنا ألا نخاف الموت ما دمنا فيك نحيا.

ويا وطننا، لا تخف، فإنّ الحجر سيتدحرج عن بابك…وستقوم! وإننا سنكون شهودَ القيامة… وكلُّنا رجاء. آمين.” 

وفي نهاية الرتبة اقيم تطواف بنعش السيد المسيح في ارجاء الباحة الخارجية للمطرانية، على وقع عزف موسيقى الكشاف اللبناني.